نظرتُ اليها من بعيد حيث تقترب.. انها تقترب.. حتى وقفت أمامى.. كم كنت أعشقها وكأن بينا حبا قديما.. انها الحافلة التى استقلها الى بيتى بعد انتهاء عملى.. صعدت اليها وكعادة كل يوم اضطررت الى الوقوف
*******
بدأت الحافلة تتحرك ويهتز جسدى معها.. وكم تغمرنى تلك السعادة حين أرى ذلك المزيج من الركاب بصورة يومية وما يدور من مناقشات ملتهبة
هناك من يحدث من بجواره ويعلو صوته: الدنيا نار.. كل حاجة نار.. هنعمل إيه.. نبيع ولادنا عشان نكمل الشهر؟
ويضرب بكفيه, والآخر يسمعه فى حزن.. ولا يرد سوى بجملة واحدة: احنا لنا ربنا.. وتستمر المناقشة
أقلب بعيونى.. وأنظر الى آخر يجلس بجوار نافذة الحافلة.. انه شاب وسيم ينظر الى النافذة ولا يحرك ساكنا.. يبدو أن همومه أحمالا هو الآخر
تتحرك عينى الى تلك الفتاة بجوارى التى تهمس فى هاتفها مبتسمة: مش هقولك الا لما تحول لى رصيد.. ثم تواصل حديثها
أدركت وكأننى أقلب قنوات التلفاز حين وجدت من يقرأ الصحيفة.. وهناك من يجادله: الاهلى أقوى.. والثانى: لأ.. الزمالك أقوى
*******
لم يثر فضولى أي من تلك المناقشات.. فإنها صورة تتكرر أمام عينى يوميا, ولا أجد فيها الجديد.. حتى خرجت مني ابتسامة حين وجدت ما هو مختلف.. انهما اثنان.. شاب وفتاة.. يجلسان متجاورين.. كم كانا فى انسجام عجبت له
ظللت أرقبهما وأتابع تلك البسمات المتبادلة.. وللعجب لا يحدثان بعضهما.. انهما يشيران بأيديهما.. أدركت أنهما لا يمتلكان القدرة على الكلام.. انهما أبكمان
من ينظر اليهما ويرى تلك الابتسامة التى تعلو شفتيهما يدرك أنهما فى عالم آخر.. لا يهتمان بما يشعر به باقى الركاب
كم كانت ابتسامته جميلة.. وابتسامتها أجمل.. حتى جذبا انتباه باقى الركاب.. وكأنهم شعروا بالغيرة من تلك السعادة التى تغمرهما
*******
بعدها وجدت من كان يتحدث عن الغلاء قد سكت.. وبدأ يرقبهما فى هدوء وعلت وجهه ابتسامة.. ومن كان يتحدثان عن كرة القدم صمتا.. وظلا يتابعان حركات أيديهما المتناسقة.. حتى ساد الحافلة صمت غريب.. واكتفى الركاب بمشاهدتهما.. ومع هذا لم يهتما بأى شئ من حولهما وواصلا مناقشتهما التى لا يفهمها غيرهما
تعجبت كثيرا لهذا.. كيف استطاعا أن يجعلا من هؤلاء الناس أشخاص أخرى تنسى همومها ولو للحظات.. وكانت اجابتى لنفسى.. اننا نادرا ما نجد لحظات جميلة
*******
حتى وقفت الحافلة وهمّت الفتاة لتغادرها.. وكم كانت لحظة وداع رائعة.. تشير بأيديها باشارات أدركت بها كم تحب هذا الشاب.. لا تأبه بما يحيطها من نظرات الناس.. وهو الآخر أدركتُ من عينيه كم يحبها
نزلت الفتاة.. ووجدتُ مكانها خاليا فاتجهتُ اليه وجلست بجوار الشاب.. ولكنى لسوء حظه لن استطيع أن أضيع ملل طريقه.. ولا استطيع أن أتحدث معه
حتى فوجئت به يسألنى: لو سمحت الساعة كام؟
نظرت اليه فى مفاجاة: انت بتتكلم؟
هز رأسه: ايوة
شعرت بالاحراج: أنا افتكرتك
قاطعنى الشاب فى ابتسامة: أخرس؟
مازلت فى دهشتى: أيوة.. والناس دى كلها فكّرتك كدة
صمت الشاب مجددا ولم ينطق بعدها.. حتى وقفت الحافلة مرة أخرى واستعد لمغادرتها.. ثم نظر اليّ فى ابتسامة وقال: أنا اتعلمت لغة الاشارة عشانها
..ثم غادر الحافلة
صائد الخواطر , نشاطنا منوع , على مزاج صاحبها بس , ولا يعتمد على إتجاه واحد فقط كل ذو فائده سوف تجدونه هنا أن شاء الله ...
12/09/2010
مــن أجلِهــــا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق